سورة سبأ - تفسير تفسير الشوكاني

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (سبأ)


        


قوله: {قُلِ ادعوا الذين زَعَمْتُمْ مّن دُونِ الله} هذا أمر للنبيّ صلى الله عليه وسلم بأن يقول لكفار قريش، أو للكفار على الإطلاق هذا القول، ومفعولا زعمتم محذوفان، أي: زعمتموهم آلهة لدلالة السياق عليهما. قال مقاتل: يقول: ادعوهم ليكشفوا عنكم الضرّ الذي نزل بكم في سنين الجوع. ثم أجاب سبحانه عنهم، فقال: {لاَ يَمْلِكُونَ مِثُقَالَ ذَرَّةٍ فِى السموات وَلاَ فِى الأرض} أي: ليس لهم قدرة على خير، ولا شرّ، ولا على جلب نفع، ولا دفع ضرر في أمر من الأمور، وذكر السماوات والأرض لقصد التعميم لكونهما ظرفاً للموجودات الخارجية {وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ} أي: ليس للآلهة في السماوات والأرض مشاركة لا بالخلق، ولا بالملك، ولا بالتصرّف {وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مّن ظَهِيرٍ} أي: وما لله سبحانه من تلك الآلهة من معين يعينه على شيء من أمر السموات والأرض ومن فيهما.
{وَلاَ تَنفَعُ الشفاعة عِندَهُ} أي: شفاعة من يشفع عنده من الملائكة، وغيرهم، وقوله: {إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ} استثناء مفرّغ من أعمّ الأحوال، أي: لا تنفع الشفاعة في حال من الأحوال إلاّ كائنة لمن أذن له أن يشفع من الملائكة، والنبيين، ونحوهم من أهل العلم، والعمل، ومعلوم أن هؤلاء لا يشفعون إلاّ لمن يستحق الشفاعة، لا للكافرين، ويجوز: أن يكون المعنى: لا تنفع الشفاعة من الشفعاء المتأهلين لها في حال من الأحوال إلاّ كائنة لمن أذن له، أي: لأجله، وفي شأنه من المستحقين للشفاعة لهم، لا من عداهم من غير المستحقين لها، واللام في: {لمن} يجوز أن تتعلق بنفس الشفاعة. قال أبو البقاء: كما تقول: شفعت له، ويجوز: أن تتعلق بتنفع، والأولى أنها متعلقة بالمحذوف كما ذكرنا. قيل: والمراد بقوله: {لاَّ تَنفَعُ الشفاعة}: أنها لا توجد أصلاً إلاّ لمن أذن له، وإنما علق النفي بنفعها لا بوقوعها تصريحاً بنفي ما هو غرضهم من وقوعها. قرأ الجمهور: {أذن} بفتح الهمزة، أي: أذن له الله سبحانه، لأن اسمه سبحانه مذكور قبل هذا، وقرأ أبو عمرو، وحمزة، والكسائي بضمها على البناء للمفعول، والآذن هو: الله سبحانه، ومثل هذه الآية قوله تعالى: {مَن ذَا الذى يَشْفَعُ عِندَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ} [البقرة: 255]، وقوله: {وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارتضى} [الأنبياء: 28]، ثم أخبر سبحانه عن خوف هؤلاء الشفعاء، والمشفوع لهم، فقال: {حتى إِذَا فُزّعَ عَن قُلُوبِهِمْ} قرأ الجمهور: {فزّع} مبنياً للمفعول، والفاعل هو: الله، والقائم مقام الفاعل هو: الجارّ والمجرور، وقرأ ابن عامر: {فزّع} مبنياً للفاعل، وفاعله ضمير يرجع إلى الله سبحانه، وكلا القراءتين بتشديد الزاي، وفعل معناه: السلب، فالتفزيع إزالة الفزع. وقرأ الحسن مثل قراءة الجمهور إلاّ أنه خفّف الزاي.
قال قطرب: معنى فزّع عن قلوبهم: أخرج ما فيها من الفزع، وهو: الخوف.
وقال مجاهد: كشف عن قلوبهم الغطاء يوم القيامة. والمعنى: أن الشفاعة لا تكون من أحد من هؤلاء المعبودين من دون الله من الملائكة، والأنبياء والأصنام، إلاّ أن الله سبحانه يأذن للملائكة والأنبياء، ونحوهم في الشفاعة لمن يستحقها، وهم على غاية النزع من الله كما قال تعالى: {وَهُمْ مّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ} [الأنبياء: 28]، فإذا أذن لهم في الشفاعة فزعوا لما يقترن بتلك الحالة من الأمر الهائل، والخوف الشديد من أن يحدث شيء من أقدار الله، فإذا سرّي عليهم {قَالُواْ} للملائكة فوقهم، وهم الذين يوردون عليهم الوحي بالإذن: {مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ} أي: ماذا أمر به، فيقولون لهم: قال: القول: {الحق}، وهو: قبول شفاعتكم للمستحقين لها دون غيرهم {وَهُوَ العلى الكبير} فله أن يحكم في عباده بما يشاء، ويفعل ما يريد. وقيل: هذا الفزع يكون للملائكة في كل أمر يأمر به الربّ. والمعنى: لا تنفع الشفاعة إلاّ من الملائكة الذين هم فزعون اليوم مطيعون لله، دون الجمادات، والشياطين. وقيل: إن الذين يقولون: ماذا قال ربكم هم: المشفوع لهم، والذين أجابوهم: هم: الشفعاء من الملائكة، والأنبياء.
وقال الحسن، وابن زيد، ومجاهد: معنى الآية: حتى إذا كشف الفزع عن قلوب المشركين في الآخرة. قالت لهم الملائكة: ماذا قال ربكم في الدنيا؟ قالوا: الحقّ، فأقرّوا حين لا ينفعهم الإقرار. وقرأ ابن عمر، وقتادة: {فرّغ} بالراء المهملة، والغين المعجمة من الفراغ. والمعنى: فرغ الله قلوبهم: أي: كشف عنها الخوف. وقرأ ابن مسعود: {افرنقع} بعد الفاء راء مهملة، ثم نون، ثم قاف، ثم عين مهملة من الافرنقاع، وهو: التفرّق. ثم أمر الله سبحانه رسوله: أن يبكت المشركين، ويوبخهم، فقال: {قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مّنَ السموات والأرض} أي: من ينعم عليكم بهذه الأرزاق التي تتمتعون بها، فإن آلهتكم لا يملكون مثقال ذرة، والرّزق من السماء هو: المطر، وما ينتفع به منها من الشمس، والقمر، والنجوم، والرّزق من الأرض هو: النبات، والمعادن، ونحو ذلك، ولما كان الكفار لا يقدرون على جواب هذا الاستفهام، ولم تقبل عقولهم نسبة هذا الرّزق إلى آلهتهم، وربما يتوقفون في نسبته إلى الله مخافة أن تقوم عليهم الحجة، فأمر الله رسوله: بأن يجيب عن ذلك، فقال: {قُلِ الله} أي: هو الذي يرزقكم من السماوات والأرض، ثم أمره سبحانه: أن يخبرهم بأنهم على ضلالة، لكن على وجه الإنصاف في الحجة بعد ما سبق تقرير من هو على الهدى، ومن هو على الضلالة، فقال: {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لعلى هُدًى أَوْ فِى ضلال مُّبِينٍ} والمعنى: أن أحد الفريقين من الذين يوحدون الله الخالق الرّازق، ويخصونه بالعبادة، والذين يعبدون الجمادات التي لا تقدر على خلق، ولا رزق، ولا نفع، ولا ضرّ لعلى أحد الأمرين من الهدى، والضلالة، ومعلوم لكلّ عاقل أن من عبد الذي يخلق، ويرزق، وينفع، ويضرّ هو: الذي على الهدى، ومن عبد الذي لا يقدر على خلق، ولا رزق، ولا نفع، ولا ضرّ هو: الذي على الضلالة، فقد تضمن هذا الكلام بيان فريق الهدى، وهم: المسلمون، وفريق الضلالة، وهم: المشركون على وجه أبلغ من التصريح.
قال المبرّد: ومعنى هذا الكلام: معنى قول المتبصر في الحجة لصاحبه: أحدنا كاذب، وقد عرف: أنه الصادق المصيب، وصاحبه الكاذب المخطئ. قال: و{أو} عند البصريين على بابها، وليست للشكّ، لكنها على ما تستعمله العرب في مثل هذا إذا لم يرد المخبر أن يبين، وهو عالم بالمعنى.
وقال أبو عبيدة، والفرّاء: هي بمعنى: الواو، وتقديره: وإنا على هدى، وإياكم لفي ضلال مبين، ومنه قول جرير:
أثعلبة الفوارس أو رباحا *** عدلت بهم طهية والربابا
أي: ثعلبة، ورباحاً، وكذا قول الآخر:
فلما اشتد بأس الحرب فينا *** تأملنا رباحاً أو رزاما
أي: ورزاماً، وقوله: {أو إياكم} معطوف على اسم إن، وخبرها هو المذكور، وحذف خبر الثاني للدلالة عليه، أي: إنا لعلى هدى، أو في ضلال مبين، وإنكم لعلى هدى، أو في ضلال مبين، ويجوز العكس: وهو كون المذكور خبر الثاني، وخبر الأوّل محذوفاً، كما تقدّم في قوله: {والله وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ} [التوبة: 62]، ثم أردف سبحانه هذا الكلام المنصف بكلام أبلغ منه في الإنصاف، وأبعد من الجدل، والمشاغبة، فقال: {قُل لاَّ تُسْئَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلاَ نُسْئَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ} أي: إنما أدعوكم إلى ما فيه خير لكم، ونفع، ولا ينالني من كفركم، وترككم لإجابتي ضرر، وهذا كقوله سبحانه: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِىَ دِينِ} [الكافرون: 6]، وفي إسناد الجرم إلى المسلمين، ونسبة مطلق العمل إلى المخاطبين، مع كون أعمال المسلمين من البرّ الخالص، والطاعة المحضة، وأعمال الكفار من المعصية البينة، والإثم الواضح من الإنصاف ما لا يقادر قدره. والمقصود: المهادنة، والمتاركة، وقد نسخت هذه الآية، وأمثالها بآية السيف.
ثم أمره سبحانه بأن يهدّدهم بعذاب الآخرة، لكن على وجه لا تصريح فيه، فقال: {قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا} أي: يوم القيامة {ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بالحق} أي: يحكم، ويقضي بيننا الحقّ، فيثيب المطيع، ويعاقب العاصي {وَهُوَ الفتاح} أي: الحاكم بالحقّ القاضي بالصواب {العليم} بما يتعلق بحكمه وقضائه من المصالح. وهذه أيضاً منسوخة بآية السيف. ثم أمره سبحانه: أن يورد عليهم حجة أخرى يظهر بها ما هم عليه من الخطأ، فقال: {قُلْ أَرُونِىَ الذين أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكَاء} أي: أروني الذين ألحقتموهم بالله شركاء له، وهذه الرؤية هي: القلبية، فيكون {شركاء} هو: المفعول الثالث، لأن الفعل تعدّى بالهمزة إلى ثلاثة.
الأوّل: الياء في {أروني}، والثاني: الموصول، والثالث: {شركاء}، وعائد الموصول محذوف أي: ألحقتموهم، ويجوز: أن تكون هي البصرية، وتعدّى الفعل بالهمزة إلى اثنين: الأوّل الياء، والثاني الموصول، ويكون {شركاء} منتصباً على الحال. ثم ردّ عليهم ما يدعونه من الشركاء، وأبطل ذلك، فقال: {كَلاَّ بَلْ هُوَ الله العزيز الحكيم} أي: ارتدعوا عن دعوى المشاركة، بل المنفرد بالإلهية، هو: الله العزيز بالقهر والغلبة، الحكيم بالحكمة الباهرة.
وقد أخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {فُزّعَ عَن قُلُوبِهِمْ} قال: جلّى.
وأخرج ابن أبي حاتم، وابن مردويه عنه قال: لما أوحى الجبار إلى محمد صلى الله عليه وسلم دعا الرسول من الملائكة: ليبعثه بالوحي، فسمعت الملائكة صوت الجبار يتكلم بالوحي، فلما كشف عن قلوبهم سألوا عما قال الله، فقالوا: الحقّ، وعلموا: أن الله لا يقول إلاّ حقاً. قال ابن عباس: وصوت الوحي كصوت الحديد على الصفا، فلما سمعوا خرّوا سجداً، فلما رفعوا رءوسهم {قَالُواْ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُواْ الحق وَهُوَ العلى الكبير}.
وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عنه أيضاً قال: ينزل الأمر إلى السماء الدنيا له وقعة كوقعة السلسلة على الصخرة، فيفزع له جميع أهل السموات، فيقولون: ماذا قال ربكم؟ ثم يرجعون إلى أنفسهم، فيقولون: الحق وهو العليّ الكبير.
وأخرج البخاري، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه، وغيرهم من حديث أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا قضى الله الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعاناً لقوله: كأنه سلسلة على صفوان ينفذهم ذلك، فإذا فزع عن قلوبهم قالوا: ماذا قال ربكم؟ قالوا: للذي قال: {الحقّ وهو العليّ الكبير}» الحديث، وفي معناه أحاديث.
وأخرج سعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله: {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لعلى هُدًى أَوْ فِى ضلال مُّبِينٍ} قال: نحن على هدى، وإنكم لفي ضلال مبين.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس قال: {الفتاح} القاضي.


في انتصاب {كَافَّةً} وجوه، فقيل: إنه منتصب على الحال من الكاف في {أرسلناك} قال الزجاج أي: وما أرسلناك إلاّ جامعاً للناس بالإنذار، والإبلاغ، والكافة بمعنى: الجامع، والهاء فيه للمبالغة كعلامة. قال أبو حيان: أما قول الزجاج: إن كافّة بمعنى: جامعاً، والهاء فيه للمبالغة، فإن اللغة لا تساعد عليه؛ لأن كفّ ليس معناه: جمع، بل معناه: منع. يقال: كف يكف، أي: منع يمنع. والمعنى: إلاّ مانعاً لهم من الكفر، ومنه الكفّ؛ لأنها تمنع من خروج ما فيه. وقيل: إنه منتصب على المصدرية، والهاء للمبالغة كالعاقبة، والعافية، والمراد: أنها صفة مصدر محذوف، أي: إلاّ رسالة كافّة. وقيل: إنه حال من الناس، والتقدير: وما أرسلناك إلاّ للناس كافّة، وردّ بأنه لا يتقدّم الحال من المجرور عليه كما هو مقرّر في علم الإعراب. ويجاب عنه بأنه قد جوّز ذلك أبو عليّ الفارسيّ، وابن كيسان، وابن برهان، ومنه قول الشاعر:
إذا المرء أعيته السيادة ناشئا *** فمطلبها كهلاً عليه عسير
وقول الآخر:
تسليت طرّاً عنكم بعد بينكم *** بذكراكم حتى كأنكم عندي
وقول الآخر:
غافلاً تعرض المنية للمر *** ء فيدعى ولات حين إباء
وممن رجح كونها حالاً من المجرور بعدها ابن عطية، وقال: قدمت للاهتمام، والتقوّي. وقيل: المعنى: إلاّ ذا كافّة، أي: ذا منع، فحذف المضاف. قيل: واللام: في {لِلنَّاسِ} بمعنى إلى، أي: وما أرسلناك إلى الناس إلاّ جامعاً لهم بالإنذار، والإبلاغ، أو مانعاً لهم من الكفر، والمعاصي، وانتصاب {بَشِيراً وَنَذِيراً} على الحال، أي مبشراً لهم بالجنة، ومنذراً لهم من النار {ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يَعْلَمُونَ} ما عند الله، وما لهم من النفع في إرسال الرسل.
{وَيَقُولُونَ متى هذا الوعد إِن كُنتُمْ صادقين} أي: متى يكون هذا الوعد الذي تعدونا به، وهو: قيام الساعة أخبرونا به إن كنتم صادقين. قالوا: هذا على طريقة الاستهزاء برسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن معه من المؤمنين، فأمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يجيب عنهم، فقال: {قُل لَّكُم مّيعَادُ يَوْمٍ} أي: ميقات يوم، وهو: يوم البعث. وقيل: وقت حضور الموت. وقيل: أراد يوم بدر؛ لأنه كان يوم عذابهم في الدنيا، وعلى كل تقدير، فهذه الإضافة للبيان، ويجوز في ميعاد: أن يكون مصدراً مراداً به الوعد، وأن يكون اسم زمان. قال أبو عبيدة: الوعد، والوعيد، والميعاد بمعنى. وقرأ ابن أبي عبلة بتنوين: {ميعاد} ورفعه، ونصب: {يوم} على أن يكون ميعاد مبتدأ، ويوماً ظرف، والخبر لكم. وقرأ عيسى بن عمر برفع: {ميعاد} منوّناً، ونصب: {يوم} مضافاً إلى الجملة بعده. وأجاز النحويون: {ميعاد يوم} برفعهما منوّنين على أن ميعاد مبتدأ، ويوم بدل منه، وجملة: {لاَّ تَسْتَئَخِرُونَ عَنْهُ سَاعَةً وَلاَ تَسْتَقْدِمُونَ} صفة لميعاد، أي: هذا الميعاد المضروب لكم لا تتأخرون عنه، ولا تتقدّمون عليه، بل يكون لا محالة في الوقت الذي قد قدّر الله وقوعه فيه.
ثم ذكر سبحانه طرفاً من قبائح الكفار، ونوعاً من أنواع كفرهم، فقال: {وَقَالَ الذين كَفَرُواْ لَن نُّؤْمِنَ بهذا القرءان وَلاَ بالذى بَيْنَ يَدَيْهِ} وهي: الكتب القديمة، كالتوراة، والإنجيل، والرسل المتقدّمون. وقيل: المراد بالذي بين يديه الدار الآخرة. ثم أخبر سبحانه عن حالهم في الآخرة، فقال: {وَلَوْ ترى إِذِ الظالمون مَوْقُوفُونَ عِندَ رَبّهِمْ} الخطاب لمحمد صلى الله عليه وسلم، أو لكل من يصلح له، ومعنى {موقوفون عند ربهم}: محبوسون في موقف الحساب {يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إلى بَعْضٍ القول} أي: يتراجعون الكلام فيما بينهم باللوم والعتاب، بعد أن كانوا في الدنيا متعارضين متناصرين متحابين. ثم بيّن سبحانه تلك المراجعة، فقال: {يَقُولُ الذين استضعفوا}، وهم: الأتباع {لِلَّذِينَ استكبروا}، وهم: الرؤساء المتبوعون {لَوْلاَ أَنتُمْ} صددتمونا عن الإيمان بالله، والاتباع لرسوله {لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ} بالله مصدّقين لرسوله، وكتابه.
{قَالَ الذين استكبروا لِلَّذِينَ استضعفوا} مجيبين عليهم مستنكرين لما قالوه: {أَنَحْنُ صددناكم عَنِ الهدى} أي: منعناكم عن الإيمان {بَعْدَ إِذْ جَاءكُمْ} الهدى، قالوا هذا منكرين لما ادّعوه عليهم من الصدّ لهم، وجاحدين لما نسبوه إليهم من ذلك، ثم بينوا لهم: أنهم الصادّون لأنفسهم، الممتنعون من الهدى بعد إذ جاءهم، فقالوا: {بَلْ كُنتُمْ مُّجْرِمِينَ} أي: مصرّين على الكفر، كثيري الإجرام، عظيمي الآثام.
{وَقَالَ الذين استضعفوا لِلَّذِينَ استكبروا} ردّاً لما أجابوا به عليهم، ودفعاً لما نسبوه إليهم من صدّهم لأنفسهم {بَلْ مَكْرُ اليل والنهار} أصل المكر في كلام العرب: الخديعة، والحيلة، يقال: مكر به إذا خدعه، واحتال عليه. والمعنى: بل مكركم بنا الليل والنهار، فحذف المضاف إليه، وأقيم الظرف مقامه اتساعاً.
وقال الأخفش: هو على تقدير هذا مكر الليل، والنهار. قال النحاس: المعنى والله أعلم، بل مكركم في الليل، والنهار، ودعاؤكم لنا إلى الكفر هو الذي حملنا على هذا.
وقال سفيان الثوري: بل عملكم في الليل والنهار، ويجوز: أن يجعل الليل، والنهار ماكرين على الإسناد المجازي كما تقرّر في علم المعاني. قال المبرّد كما تقول العرب: نهاره صائم، وليله قائم، وأنشد قول جرير:
لقد لمتنا يا أمّ غيلان في السرى *** ونمت وما ليل المطيّ بنائم
وأنشد سيبويه:
قيام ليلي وتجلي همي ***
وقرأ قتادة، ويحيى بن يعمر برفع {مكر} منوّناً، ونصب: {الليل والنهار}، والتقدير: بل مكر كائن في الليل والنهار. وقرأ سعيد بن جبير، وأبو رزين بفتح الكاف، وتشديد الراء مضافاً بمعنى: الكرور، من كرّ يكرّ إذا جاء، وذهب، وارتفاع {مكر} على هذه القراءات على أنه مبتدأ، وخبره محذوف، أي: مكر الليل والنهار صدّنا، أو على أنه فاعل لفعل محذوف، أي: صدّنا مكر الليل والنهار، أو على أنه خبر مبتدأ محذوف كما تقدّم عن الأخفش.
وقرأ طلحة بن راشد كما قرأ سعيد بن جبير، ولكنه نصب {مكر} على المصدرية، أي: بل تكرّرت الإغواء مكرًّا دائماً لا تفترون عنه، وانتصاب {إِذْ تَأْمُرُونَنَا} على أنه ظرف للمكر، أي: بل مكركم بنا وقت أمركم لنا {أَن نَّكْفُرَ بالله وَنَجْعَلَ لَهُ أَندَاداً} أي: أشباهاً، وأمثالاً. قال المبرد: يقال ندّ فلان فلان، أي: مثله، وأنشد:
أتيما تجعلون إليّ ندًّا *** وما تيم بذي حسب نديد
والضمير في قوله: {وَأَسَرُّواْ الندامة لَمَّا رَأَوُاْ العذاب} راجع إلى الفريقين أي: أضمر الفريقان الندامة على ما فعلوا من الكفر، وأخفوها عن غيرهم، أو أخفاها كل منهم عن الآخر مخافة الشماتة. وقيل: المراد بأسرّوا هنا أظهروا؛ لأنه من الأضداد يكون، تارة بمعنى: الإخفاء، وتارة بمعنى: الإظهار، ومنه قول امرئ القيس:
تجاوزت أحراساً وأهوال معشر *** عليّ حراص لو يسرون مقتلي
وقيل: معنى {أسروا الندامة}: تبينت الندامة في أسرّة وجوههم {وَجَعَلْنَا الأغلال فِى أَعْنَاقِ الذين كَفَرُواْ} الأغلال جمل غلّ، يقال: في رقبته غلّ من حديد، أي: جعلت الأغلال من الحديد في أعناق هؤلاء في النار، والمراد بالذين كفروا: هم المذكورون سابقاً، والإظهار لمزيد الذمّ، أو للكفار على العموم، فيدخل هؤلاء فيهم دخولاً أوّلياً: {هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} أي: إلاّ جزاء ما كانوا يعملونه من الشرك بالله، أو إلاّ بما كانوا يعملون على حذف الخافض.
وقد أخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر عن مجاهد في قوله: {وَمَا أرسلناك إِلاَّ كَافَّةً لّلنَّاسِ} قال: إلى الناس جميعاً.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن قتادة قال: أرسل الله محمداً إلى العرب، والعجم، فأكرمهم على الله أطوعهم له.
وأخرج هؤلاء عنه في قوله: {وَقَالَ الذين كَفَرُواْ لَن نُّؤْمِنَ بهذا القرءان} قال: هذا قول مشركي العرب كفروا بالقرآن، وبالذي بين يديه من الكتب، والأنبياء.


لما قصّ سبحانه حال من تقدّم من الكفار أتبعه بما فيه التسلية لرسوله، وبيان أن كفر الأمم السابقة بمن أرسل إليهم من الرسل هو كائن مستمرّ في الأعصر الأوّل، فقال: {وَمَا أَرْسَلْنَا فِى قَرْيَةٍ} من القرى {مّن نَّذِيرٍ} ينذرهم، ويحذرهم عقاب الله {إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَا} أي: رؤساؤها، وأغنياؤها، وجبابرتها، وقادة الشرّ لرسلهم: {إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافرون} أي: بما أرسلتم به من التوحيد، والإيمان، وجملة: {إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَا} في محل نصب على الحال. ثم ذكر ما افتخروا به من الأموال، والأولاد، وقاسوا حالهم في الدار الآخرة على حالهم في هذه الدار على تقدير صحة ما أنذرهم به الرسل، فقال: {وَقَالُواْ نَحْنُ أَكْثَرُ أموالا وأولادا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ} والمعنى: أن الله فضلنا عليكم بالأموال والأولاد في الدنيا، وذلك يدلّ على: أنه قد رضي ما نحن عليه من الدين، {وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ} في الآخرة بعد إحسانه إلينا في الدنيا، ورضاه عنا.
فأمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم بأن يجيب عنهم، وقال: {قُلْ إِنَّ رَبّى يَبْسُطُ الرزق لِمَن يَشَاء} أن يبسطه له {وَيَقْدِرُ} أي: يضيق على من يشاء أن يضيقه عليه، فهو سبحانه قد يرزق الكافر، والعاصي استدراجاً له، وقد يمتحن المؤمن المطيع بالتقتير توفيراً لأجره، وليس مجرّد بسط الرزق لمن بسطه له يدل على أنه قد رضي عنه، ورضي عمله، ولا قبضه عمن قبضه عنه يدل على أنه لم يرضه، ولا رضي عمله، فقياس الدار الآخرة على الدار الأولى في مثل هذا من الغلط البين، أو المغالطة الواضحة {ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يَعْلَمُونَ} هذا، ومن جملة هؤلاء الأكثر من قاس أمر الآخرة على الأولى، ثم زاد هذا الجواب تأييداً، وتأكيداً {وَمَا أموالكم وَلاَ أولادكم بالتى تُقَرّبُكُمْ عِندَنَا زلفى} أي: ليسوا بالخصلة التي تقرّبكم عندنا قربى. قال مجاهد: الزلفى القربى، والزلفة: القربة. قال الأخفش: زلفى اسم مصدر كأنه قال بالتي تقربكم عندنا تقريباً، فتكون زلفى منصوبة المحلّ. قال الفرّاء: إن التي تكون للأموال والأولاد جميعاً.
وقال الزجاج: إن المعنى: وما أموالكم بالتي تقرّبكم عندنا زلفى، ولا أولادكم بالشيء يقرّبكم عندنا زلفى، ثم حذف خبر الأول لدلالة الثاني عليه، وأنشد:
نحن بما عندنا وأنت بما عن *** دك راض والرأي مختلف
ويجوز في غير القرآن باللتين، واللاتي، وباللواتي، وبالذي للأولاد خاصة، أي: لا تزيدكم الأموال عندنا درجة ورفعة، ولا تقربكم تقريباً {إِلاَّ مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً} هو استثناء منقطع، فيكون محله النصب، أي: لكن من آمن، وعمل صالحاً، أو في محل جرّ بدلاً من الضمير في تقرّبكم، كذا قال الزجاج.
قال النحاس: وهذا القول غلط، لأن الكاف والميم للمخاطب، فلا يجوز البدل، ولو جاز هذا لجاز رأيتك زيداً. ويجاب عنه بأن الأخفش والكوفيين يجوّزون ذلك، وقد قال بمثل قول الزجاج الفراء، وأجاز الفراء: أن يكون في موضع رفع بمعنى: ما هو إلاّ من آمن، والإشارة بقوله: {فَأُوْلَئِكَ} إلى من، والجمع باعتبار معناها، وهو مبتدأ، وخبره {لَهُمْ جَزَاء الضعف} أي: جزاء الزيادة، وهي المرادة بقوله: {مَن جَاء بالحسنة فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} [الأنعام: 160]، وهو من إضافة المصدر إلى المفعول، أي: جزاء التضعيف للحسنات. وقيل: لهم جزاء الإضعاف؛ لأن الضعف في معنى الجمع، والباء في {بِمَا عَمِلُواْ} للسببية {وَهُمْ فِى الغرفات ءامِنُونَ} من جميع ما يكرهون، والمراد غرفات الجنة، قرأ الجمهور: {جزاء الضعف} بالإضافة، وقرأ الزهري، ويعقوب، ونصر بن عاصم، وقتادة برفعهما على أن الضعف بدل من جزاء.
وروي عن يعقوب: أنه قرأ: {جزاء} بالنصب منوناً، و: {الضعف} بالرفع على تقدير: فأولئك لهم الضعف جزاء، أي: حال كونه جزاء. وقرأ الجمهور: {في الغرفات} بالجمع، واختار هذه القراءة أبو عبيد لقوله: {لَنُبَوّئَنَّهُمْ مّنَ الجنة غُرَفَاً} [العنكبوت: 58]. وقرأ الأعمش، ويحيى بن وثاب، وحمزة، وخلف: {في الغرفة} بالإفراد لقوله: {أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الغرفة} [الفرقان: 75] ولما ذكر سبحانه حال المؤمنين ذكر حال الكافرين، فقال: {والذين يَسْعَوْنَ فِى ءاياتنا} بالردّ لها، والطعن فيها حال كونهم {معاجزين} مسابقين لنا زاعمين أنهم يفوتوننا بأنفسهم، أو معاندين لنا بكفرهم {أُوْلَئِكَ فِى العذاب مُحْضَرُونَ} أي: في عذاب جهنم تحضرهم الزبانية إليها لا يجدون عنها محيصاً. ثم كرّر سبحانه ما تقدّم لقصد التأكيد للحجة، والدفع لما قاله الكفرة، فقال: {قُلْ إِنَّ رَبّى يَبْسُطُ الرزق لِمَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ} أي: يوسعه لمن يشاء، ويضيقه على من يشاء، وليس في ذلك دلالة على سعادة، ولا شقاوة {وَمَا أَنفَقْتُمْ مّن شَئ فَهُوَ يُخْلِفُهُ} أي: يخلفه عليكم، يقال: أخلف له، وأخلف عليه: إذا أعطاه عوضه، وبدله، وذلك البدل إما في الدنيا، وإما في الآخرة {وَهُوَ خَيْرُ الرزقين} فإن رزق العباد لبعضهم البعض إنما هو بتيسير الله، وتقديره، وليسوا برازقين على الحقيقة بل على طريق المجاز، كما يقال: في الرجل إنه يرزق عياله، وفي الأمير إنه يرزق جنده، والرازق للأمير، والمأمور، والكبير، والصغير هو: الخالق لهم، ومن أخرج من العباد إلى غيره شيئاً مما رزقه الله، فهو إنما تصرّف في رزق الله له، فاستحق بما خرج منه الثواب عليه المضاعف لامتثاله لأمر الله، وإنفاقه فيما أمره الله.
{وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً} الظرف منصوب بفعل مقدّر نحو اذكر، أو هو متصل بقوله: {وَلَوْ ترى إِذِ الظالمون مَوْقُوفُونَ} [سبأ: 31] أي: ولو تراهم أيضاً يوم نحشرهم جميعاً للحساب العابد، والمعبود، والمستكبر، والمستضعف، {ثُمَّ نَقُولُ للملائكة أَهَؤُلاَء إِيَّاكُمْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ} تقريعاً للمشركين، وتوبيخاً لمن عبد غير الله عزّ وجلّ كما في قوله لعيسى: {ءأَنْتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتخذونى وَأُمّىَ إلهين مِن دُونِ الله} [المائدة: 116]، وإنما خصص الملائكة بالذكر مع أن بعض الكفار قد عبد غيرهم من الشياطين، والأصنام؛ لأنهم أشرف معبودات المشركين. قال النحاس: والمعنى: أن الملائكة إذا أكذبتهم كان في ذلك تبكيت للمشركين، وجملة {قَالُواْ سبحانك أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِمْ} مستأنفة جواب سؤال مقدّر، أي: تنزيهاً لك أنت الذي نتولاه، ونطيعه، ونعبده من دونهم، ما اتخذناهم عابدين، ولا توليناهم، وليس لنا غيرك ولياً، ثم صرّحوا بما كان المشركون يعبدونه، فقالوا: {بَلْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ الجن} أي: الشياطين، وهم: إبليس، وجنوده، ويزعمون: أنهم يرونهم، وأنهم ملائكة، وأنهم بنات الله. وقيل: كانوا يدخلون أجواف الأصنام، ويخاطبونهم منها {أَكْثَرُهُم بِهِم مُّؤْمِنُونَ} أي: أكثر المشركين بالجنّ مؤمنون بهم مصدّقون لهم. قيل: والأكثر في معنى: الكلّ.
{فاليوم لاَ يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَّفْعاً وَلاَ ضَرّاً} يعني: العابدين، والمعبودين لا يملك بعضهم، وهم: المعبودون لبعض، وهم: العابدون {نَفْعاً} أي: شفاعة، ونجاة {وَلاَ ضَرّا} أي: عذاباً، وهلاكاً، وإنما قيل لهم: هذا القول إظهاراً لعجزهم، وقصورهم، وتبكيتاً لعابديهم، وقولهم: {وَلاَ ضَرّا} هو على حذف مضاف، أي: لا يملكون لهم دفع ضرّ، وقوله: {وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ} عطف على قوله: {نَّقُولُ للملائكة} أي: للذين ظلموا أنفسهم بعبادة غير الله {ذُوقُواْ عَذَابَ النار التى كُنتُم بِهَا تُكَذّبُونَ} في الدنيا.
وقد أخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن أبي رزين قال: كان رجلان شريكين، خرج أحدهما إلى الساحل، وبقي الآخر، فلما بعث الله النبيّ صلى الله عليه وسلم كتب إلى صاحبه يسأله ما فعل؟ فكتب إليه أنه لم يتبعه أحد من قريش إلاّ رذالة الناس ومساكينهم، فترك تجارته، ثم أتى صاحبه، فقال: دلني عليه، وكان يقرأ الكتب، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إلى ما تدعو؟ قال: إلى كذا، وكذا، قال: أشهد أنك رسول الله، قال: وما علمك بذلك؟ قال: إنه لم يبعث نبيّ إلاّ اتبعه رذالة الناس، ومساكينهم، فنزلت هذه الآيات {وَمَا أَرْسَلْنَا فِى قَرْيَةٍ مّن نَّذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَا} الآيات، فأرسل إليه النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله قد أنزل تصديق ما قلت».
وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر عن مجاهد في قوله: {جَزَاء الضعف} قال: تضعيف الحسنة.
وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن محمد بن كعب قال: إذا كان الرجل غنياً تقياً آتاه الله أجره مرتين، وتلا هذه الآية {وَمَا أموالكم وَلاَ أولادكم} إلى قوله: {فَأُوْلَئِكَ لَهُمْ جَزَاء الضعف} قال: تضعيف الحسنة.
وأخرج سعيد بن منصور، والبخاري في الأدب المفرد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والبيهقي في الشعب عن ابن عباس في قوله: {وَمَا أَنفَقْتُمْ مّن شَئ فَهُوَ يُخْلِفُهُ} قال: في غير إسراف، ولا تقتير، وعن مجاهد مثله. وعن الحسن مثله.
وأخرج الدارقطني، والبيهقي في الشعب عن جابر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كلما أنفق العبد من نفقة، فعلى الله خلفها ضامناً إلاّ نفقة في بيان، أو معصية».
وأخرج نحوه ابن عدي في الكامل، والبيهقي من وجه آخر عنه مرفوعاً بأطول منه.
وقد ثبت في الصحيح من حديث أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «قال الله عزّ وجلّ: أنفق يا ابن آدم أنفق عليك» وثبت في الصحيح من حديثه أيضاً قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من يوم يصبح العباد فيه إلاّ وملكان ينزلان؛ فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقاً خلفاً، ويقول الآخر: اللهم أعطِ ممسكاً تلفاً».
وأخرج ابن مردويه عن عليّ بن أبي طالب سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن لكل يوم نحساً، فادفعوا نحس ذلك اليوم بالصدقة» ثم قال: اقرءوا مواضع الخلف، فإني سمعت رسول الله يقول: «وما أنفقتم من شيء، فهو يخلفه إذا لم تنفقوا كيف يخلف».
وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن المعونة تنزل من السماء على قدر المئونة».

1 | 2 | 3